في الأيام الأخيرة، اتجهت أنظار العالم إلى بكين حيث نظمت الصين أكبر عرض عسكري في تاريخها. لم يكن هذا الحدث، الذي أقيم احتفالاً بالذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، مجرد تكريم للماضي، بل كان بياناً منسقاً بعناية حول طموحات الصين الحالية ورؤيتها للمستقبل العالمي.
موكب ذو هدف
وقف الرئيس الصيني شي جين بينغ جنبًا إلى جنب مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. ترمز هذه الصورة اللافتة إلى الاصطفاف المتزايد بين الدول التي غالباً ما تقف ضد الغرب. كما حضر قادة من بيلاروسيا وإيران وميانمار وغيرهم، مما جعل قائمة الضيوف رسالة واضحة: كتلة موحدة من الدول الرافضة للهيمنة الغربية.
وعلى عكس الاستعراضات السابقة، لم يكن هذا الاستعراض مجرد استعراض احتفالي. فقد استعرضت الصين أحدث دباباتها وطائراتها بدون طيار وطائراتها الشبحية وصواريخها ذات القدرة النووية، مما يؤكد قوتها العسكرية المتنامية. وأشار محللون إلى أن العديد من هذه التطورات يبدو أنها مصممة مع وضع الصراع في تايوان في الاعتبار – وهو تذكير بالتوترات المتزايدة في شرق آسيا.

بناء تحالف غير غربي-غربي
جاء العرض في أعقاب قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO). وقد نما هذا التجمع من شراكة إقليمية إلى تحالف يمثل ما يقرب من نصف سكان العالم. ومع وجود أعضاء مثل روسيا والهند ودول آسيا الوسطى، وضعت منظمة شنغهاي للتعاون نفسها كبديل للمؤسسات العالمية التي تقودها الولايات المتحدة.
وخلال القمة، دفع شي خلال القمة من أجل تعاون أوثق في مجال بنوك التنمية وأمن الطاقة، بدعم قوي من روسيا والهند. كانت البصريات واضحة: بينما بقي القادة الغربيون بعيدًا، وضعت بكين نفسها كمركز ثقل لتحالف ناشئ مناهض للغرب.
رؤية الصين للنظام العالمي
وعلى عكس الولايات المتحدة، التي طالما قدمت نفسها على أنها “الشرطي العالمي”، فإن الصين تضع صعودها في إطار مختلف. فهي غالباً ما تشدد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وترفض ما تسميه “القيم العالمية”.
وبالنسبة للعديد من الدول الصغيرة أو الاستبدادية أو الدول التي تعاني من مشاكل، فإن هذا النهج جذاب. فالصين تقدم شراكات اقتصادية ودعم سياسي دون شروط حقوق الإنسان التي غالباً ما تكون مرتبطة بالمساعدات الغربية. ولكن، بينما يتم تغليف هذه الرؤية على أنها احترام للسيادة، يحذر المنتقدون من أنها تسمح أيضاً للحكومات ذات السجلات السيئة في مجال حقوق الإنسان بتعزيز قبضتها على السلطة دون رادع.

تحذير شي: السلام أو المواجهة
حمل خطاب شي خلال العرض العسكري رسالة صريحة: العالم يواجه خيارًا بين “السلام أو الحرب، الحوار أو المواجهة”. لم تكن دعوة للمصالحة بل كانت تحدياً للغرب. عززت الكلمات، مقترنة بالخلفية البصرية للأسلحة المتطورة، استعداد الصين للدفاع عن رؤيتها للنظام العالمي.
التكلفة الحقوقية لتحولات السلطة العالمية
مع تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن هيمنتها العالمية التي كانت غير مشكوك فيها – التي أضعفتها الانقسامات الداخلية والسياسة الخارجية غير المتسقة – تتقدم الصين إلى الفراغ. وبالنسبة للعديد من الدول، يعني ذلك مزيدًا من المساعدات المالية والاستقرار السياسي، ولكن دون ضغط لإجراء إصلاحات أو مساءلة.
هذا التحول له عواقب عميقة:
- تتعرض حقوق الإنسان والحريات المدنية لخطر التهميش حيث تجد الدول الدعم في بكين بدلاً من واشنطن.
- تتراجع القيم الديمقراطية مع تعزيز الأنظمة الاستبدادية لتحالفاتها.
- قد تميل المؤسسات العالمية بعيدًا عن حماية الحريات وتتجه نحو تمكين هياكل السلطة المركزية.

ما يحمله المستقبل
لقد كان مشهد شي وبوتين وكيم وهم يسيرون معًا في ميدان تيانانمن أكثر من مجرد رمزية – لقد كان إعلان نوايا. لم تعد الصين تطرح نفسها كقوة صاعدة؛ فهي بالفعل بصدد تشكيل نظام عالمي جديد.
أما بالنسبة لبقية العالم، فالسؤال المطروح بالنسبة لبقية العالم ليس ما إذا كانت الصين ستقود العالم أم لا، بل ما هي القيم التي ستحدد تلك القيادة. ومع ضعف حماية حقوق الإنسان في هذا النظام الجديد، قد يتحمل الناس العاديون في جميع أنحاء العالم التكلفة الأخلاقية لإعادة التنظيم الجيوسياسي.




