كان جورج فيلهلم فريدريش هيجل (1770–1831) فيلسوفًا ألمانيًا اشتهر بمفهومه عن الجدلية الهيغلية، وهي عملية ثلاثية تتكون من الأطروحة والنقيض والتوليف.
لفهم كيفية عملها، تخيل شركة كبيرة لمكافحة الفيروسات لديها أجندة خفية. الأطروحة هي إنشاء أو ظهور فيروس كمبيوتر خطير. والنقيض هو الضجيج الإعلامي والخوف المحيط بالتأثير العالمي المحتمل لهذا الفيروس. التجميع هو الحل المقترح — شراء وتثبيت برنامج مكافحة الفيروسات الخاص بالشركة. الدافع الأساسي، بطبيعة الحال، هو الربح.
وكثيرًا ما تم استخدام هذا الأسلوب الجدلي نفسه في الجغرافيا السياسية. عندما غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003 تحت شعار تغيير النظام، كانت الفرضية هي أن صدام حسين كان ديكتاتوراً وحشياً. وكان النقيض هو الادعاء بأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل. وأصبح التوليف هو الغزو نفسه – الإطاحة بالنظام والسيطرة على النفط العراقي. ويرى كثيرون أن الهدف الاستراتيجي الأعمق يتلخص في خدمة طموحات إسرائيل الإقليمية، وخاصة في إطار ما يسمى بمشروع “إسرائيل الكبرى”.
ومن بين الدول، يمكن القول إن إسرائيل أتقنت استخدام الجدلية الهيغلية في رواياتها العسكرية والسياسية. وكثيراً ما تنسب قوات الدفاع الإسرائيلية الهجمات إلى المسلحين الفلسطينيين، مستخدمة هذه الحوادث لتبرير العمليات العسكرية واسعة النطاق التي تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين. ومن خلال التحكم في السرد، تلقي إسرائيل اللوم على الفلسطينيين وتنأى بنفسها عن الاتهامات بارتكاب جرائم حرب.
وفي السنوات الأخيرة، يبدو أن الهند ــ التي تسعى إلى تأكيد نفسها كقوة مهيمنة إقليمية ــ تبنت تكتيكات مماثلة. وقد تم استخدام عمليات العلم الزائف، مثل هجوم بولواما في عام 2019 وحادثة باهالجام في عام 2025، لإثارة التوترات مع باكستان. وفي كلتا الحالتين، كان التوقيت متوافقاً بشكل ملائم مع الانتخابات الوطنية، مما يشير إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم سعى إلى تعزيز الدعم السياسي من خلال تعزيز النزعة القومية.
وقع هذا الأسبوع هجوم مزعوم آخر بالقرب من محطة مترو ريد فورت في نيودلهي. والعلامات مألوفة: سيطرة الحكومة السريعة على السرد الإعلامي، وتوجيه اللوم الفوري نحو باكستان، وتزايد الموافقة الشعبية على العمل “الدفاعي” العدواني. ويظهر التاريخ أن مثل هذه الأنماط غالبا ما تسبق الحرب.
يُقال لنا أن التاريخ معلم عظيم، لكننا نادرًا ما نتعلم منه، وربما لهذا السبب يستمر في تكرار نفسه. تقف منطقة جنوب آسيا مرة أخرى على شفا صراع محتمل آخر بين الهند وباكستان. وعلى الرغم من الإخفاقات السابقة، تبدو الهند عازمة على اختبار نفس الاستراتيجية مرة أخرى.
فهل ستحقق نتيجة مختلفة هذه المرة؟ الوقت فقط سيخبرنا.




